الوقاية خير من العلاج

الوقاية خير من العلاج

 

العلاج قد يكون علاجا دوائيا باستخدام العقاقير والمستحضرات الطبية وقد يكون جراحيا باجراء الجراحات المختلفة التى تشمل الاستئصال والاستبدال والنقل احيانا والوقاية قد تكون بتشجيع وسائل المناعة الطبيعة مثل الرضاعة الطبيعية او عن طريق وسائل المناعة الصناعية مثل الامصال واللقاحات المختلفة ولاننسى هنا دور ما يسمى بأصحاح البيئة - شغل الناس الشاغل فى هذا العصر-ومما لاشك فيه ان الوقاية خير الاف المرات من العلاج لانه مهما كان العلاج ناجعا فأننا لا نضمن ان تعود الامور الى ما كانت عليه بنسبة المائة فى المائة اضف الى ذلك ان تكلفة الوقاية اقل بكثير من تكلفة العلاج ومثال على ذلك الاسبرين ذلك العقار الرخيص الثمن له دور كبير فى الوقاية  فى الوفاة من امراض القلب تقدر بحوالى 44%  اذا كيف نقى قلوبنا المرض لو سألتنى هذا السؤال كطبيب لقلت لك عليك بايقاف التدخين فورا والاعتدال فى المأكل والمشرب وكذلك الكشف الدورىوخاصة فى مرحلة سن الاربعين  - لكن لو سألت عن الامراض المعنوية فيكفى ان تتذكر هذا القول البسيط فى الفاظه العميق فى معناه . فى كتاب الله تعالى ..المحكم آياته( آلا بذكر الله تطمئن القلوب) والذكر يكون بالمواظبةعلى الصلوات فى وقتها(واقم الصلاة لذكرى) والذكر  يكون بتلاوة القرآن لانه الذكر الحكيم  وان القلب الذى ليس فيه من كتاب الله شىء خرب كخراب البيت الذى لاساكن له والذكر يكون بمجالس الذكر  ففى الحديث القدسى( من ذكرنى  فى ملأ  ذ كرته فى ملأ خير منه)

وجاء فى الحديث الشريف( لا  تكثروا  الكلام بغير ذكر الله فان كثرة الكلام  بغير ذكر  الله قسوة للقلب وابعد الناس عن الله القلب القاسى) رواه الترمذى وقال حسن غريب- والذكر له معنيانأحدهما : الذكر الذي هو ضد الغفلة وهو  الذكر القلبي والثاني هوالذكر الذي هو ضد السكوت وهو الذكر اللساني- اماالذكر بالقلب : فهو التفكر في عظمة الله وجلاله وآياته ولا مدخل للسان فيه ، أو فيه مدخل غير معتد به بحيث يأتي به همساً بحيث لا يسمع به نفسه بناء على القول المشهورأن الذكر باللسان  هو ما أسمع نفسه واختلفوا هل يؤجر على ذلك أم لا والملائكة تكتب الذكر القلبي بإطلاع الله لهم خلافاً لمن قال انهم لا يكتبون لأنه لا يطلع عليه غير الله تعالى .ويكون الذكر كذلك باللسان : بأن يحركه بحيث يتلفظ به ويسمع نفسه ، ولا يعتبر ذاكراً باللسان إلا بالتلفظ به مع السماع ، فإن لم يسمع نفسه كان ذاكراً بالقلب كما سبق ، وعليه لا يحرم على الجنب تحريك لسانه بالقرآن وهمسه بحيث لا يسمع نفسه لأنها ليست بقراءة ،ولا تصح صلاة من لم يسمع نفسه كذلك على المعتمد ، والسماع المعتد به يكون بسماع الصوت     الحروف ، اما لو سمع الصوت من غير الحروف فلا اعتبار به .والأفضل  أن يجمع بين الذكر القلبي واللساني ثم اللساني وهو الذي رتب الشارع على القول به في أذكار اليوم والليلة  وغيرهما ففيه امتثال لأمر الشارع ، ثم الذكر بالقلب .والجمع بين الذكر القلبي واللساني يكون بحضور القلب بحيث يتدبر ما يذكرويعقل معناه ولهذا استحبوا مد الذاكر  قول لا إله إلا الله
ولا ننسى أن نتحدث عن مشكلة العصر البيئه فكما توجد بيئة تعد مصدرا للامراض المادية فبالمثل توجد بيئة غير صالحة لتربية النشء وليكن شعارنا  حافظوا على نظافة وطهارة بيئتكم
وقيل اربع يمتن القلب الذنب الى الذنب وكثرة مثافنة النساء وملاحاة الاحمق ومجالسة الموتى ويقصد بهم الغنى المترف والسلطان الجائر.أراد علاج قلبه وإنقياده بسلاسل القهر إلى طاعة ربه أن يكثر من ذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات وموتم البنين والبنات ويواظب على مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ولزمه ذنبه أن يستعين بها على دواء دائه ويستصرخ بها على فتن الشيطان وأعوانه فإن إنتفع بالإكثار من ذكر الموت وأنجلت به قساوة قلبه فذاك وإن عظم عليه ران قلبه وأستحكمت فيه دواعي الذنب فإن مشاهدة المحتضرين وزيارة قبور أموات المسلمين تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول لأن ذكر الموت إخبار للقلب بما إليه المصير وقائم له مقام التخويف والتحذير وفي مشاهدة من أحتضر وزيارة قبر من مات من المسلمين معاينة ومشاهدة فلذلك كان أبلغ من الأول قال صلى الله عليه وسلم : ( ليس الخبر كالمعاينة ( رواه إبن عباس فأما الإعتبار بحال المحتضرين فغير ممكن في كل الأوقات وقد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات وأما زيارة القبور فوجودها أسرع والإنتفاع بها أليق وأجدر فينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط فإن هذه حاله تشاركه فيها بهيمة ونعوذ بالله من ذلك بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى وإصلاح فساد قلبه أو نفع الميت بما يتلو عنده من القرآن والدعاء ويتجنب المشي على المقابر والجلوس عليها ويسلم إذا دخل المقابر وإذا وصل إلى قبر ميته الذي يعرفه سلم

صلاح القلوب ووسائله

 وصلاح القلب وحقه والذى خلق من أجله هو ان يعقل الاشياء لااقول أن يعملها فقط فقد يعلم الشيء من لا يكون عاقلا له بل غاقلا عنه ملغيا له والذى يعقل الشيء هو الذى يقيده ويضبطه ويعيه ويثبته فى قلبه فيكون وقت الحاجة إليه غنيا فيطابق عمله قوله وباطنه ظاهره وذلك هو الذى أوتى الحكمة( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) وقال أبو الدردا إن من الناس من يؤتى علما ولا يؤتى حكما  وهذا مع أن الناس متبانيون فى نفس عقلهم الأشياء من بين كامل وناقص وفيما يعقلونه من بين قليل وكثير وجليل ودقيق وغير ذلك ثم هذه الأعضاء الثلاثة هى امهات ماينال به العلم ويدرك أعنى العلم الذى يمتاز به البشر سائر الحيوانات دون ما يشاركها فيه من الشم والذوق  وان الذى في قلبه أمراض الشبهات والشهوات ففيه من البينات ما يزيل الحق من الباطل فيزيل أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والادراك  بحيث يرى الاشياء على ما هي عليه وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب فيرغب القلب فيما ينفعه ويرغب عما يضره فيبقى القلب محبا للرشاد مبغضا للغي بعد أن كان مريدا للغي مبغضا للرشاد فالقرآن مزيل للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة حتى يصلح القلب فتصلح إرادته ويعود إلى فطرته التي فطر عليها كما يعود البدن إلى الحال الطبيعي ويتغذى القلب من الايمان والقرآن بما يزكيه ويؤيده كماي يتغذى البدن بما ينميه ولذا فإن زكاة القلب مثل نماء البدن و الزكاة في اللغة النماء والزيادة  في الصلاح يقال زكا الشيء إذا نما في الصلاح فالقلب يحتاج ان يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح كما يحتاج البدن أن يربى بالأغذية المصلحة له

ولا بد مع ذلك من منع ما يضره فلا ينمو البدن إلا باعطاء ما ينفعه ومنع ما يضره وكذلك القلب لا يزكو فينمو ويتم صلاحه إلا بحصول ما ينفعه ودفع ما يضره وكذلك الزرع لا يزكو إلا بهذا و الصدقة لما كانت تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار صار القلب يزكو بها وزكاته معنى زائد على طهارته من الذنب قال الله تعالىفى سورة التوبة (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) وكذلك ترك الفواحش يزكو به القلب وكذلك ترك المعاصي فإنها بمنزلة الاخلاط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع فإذا استفرغ البدن من الاخلاط الرديئة كاستخراج الدم الزائد تخلصت القوة الطبيعية واستراحت فينمو البدن وكذلك القلب إذاتاب من الذنوب كان استفراغا من تخليطاته حيث خلط عملا صالحا وآخر شيئا تاب من الذنوب تخلصت قوة القلب وإراداته للأعمال الصالحة واستراح فإذا القلب من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه فزكاة القلب بحيث ينمو ويكمل قال تعالىفى سورة النور (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم احد)

القلب سمع وبصر

 من االمؤكد ان  الأصم لا يعلم ما فى الكلام من العلم  والضرير لا يدرى ما تحتوى عليه الاشخاص من االحكمة البالغة وكذلك  من نظر الى الاشياء بغير قلب او استمع الى كلمات اهل العلم بغير قلب فإنه لا يعقل شيئا فمداتر الامر على القلب وعند هذا تسبين الحكمة  فى قوله تعالى( افلم يسيروا فى الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها  او آذان يسمعون بها) حتى لم يذكر هنا العين كما فى الآيات السوابق فإن  قياس الكلام هنا فى امور غائبة وحكمة معقولة من عواقب الامور لا مجال  لنظر العين فيها ومثله قوله ام تحسب ان اكثرهم يسمعون او يعقلون  وتتبين حقيقة الامر فى قوله (ان فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب او  القي السمع وهو شهيد) فإن من يؤتى الحكمة وينتفع بالعلم على منزلتين  اما رجل رأى الحق بنفسه فقبله فاتبعه ولم يحتج إلى من يدعوه فذلك  صاحب القلب او رجل لم يعقله بنفسه بل هو محتاج إلى من يعلمه ويبينه  له ويعظه ويؤدبه فهذا اصغى القى السمع وهو شهيد اى حاضر القلب  ليس بغائبه كما قال مجاهد او أوتي العلم وكان له ذكرى وتبين قوله( ومنهم من يستمع اليك افأنت تسمع الصم)  

ذكر ذلك منه فوصف حال هذا القلب بوجهيه ونعته بمذهبيه فذكر اولا وصف الوجود منه فقال  إذا ما وضعت القلب في غير موضع يقول إذا شغلته بما لم فصرفته إلىأحداهما تشغل عن الحق ولا تعانده مثل الأفكار والهموم التي في علائق الدنيا  وشهوات النفس و الثانية تعاند الحق وتصد عنه مثل الآراء الباطلة  والأهواء المردية من الكفر والنفاق والبدع وشبه ذلك بل القلب لم  يخلق الا لذكر الله فما سوى ذلك فليس موضعا له ثم ذكر ثانيا وصف العدم  فيه فقال بغير إناء ثم يقول إذا وضعته بغير اناء ضيعته ولا اناء معك كما تقول حضرت المجلس بلا محبرة فالكلمة حال من الواضع لا من الموضوع

تزكية القلب

فالتزكية- كما سبق وذكر- وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل بإزالة الشر فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا وقال تعالى فى سورة فصلت( وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة )وهي  هنا بمعنىالتوحيد والإيمان الذي به يزكو القلب به فإنه يتضمن نفي إلهية ما سوى الحق من القلب وإثبات إليهة الحق في القلب وهو حقيقة لا إله إلا الله وهذا أصل ما تزكو به القلوب و التزكية جعل الشيء زكيا إما في ذاته وإما في الاعتقاد والخبر كما يقال عدلته إذا جعلته عدلا في نفسه أو في اعتقاد الناس قال تعالى فى سورة النجم( فلا تزكوا أنفسكم) أي تخبروا بزكاتها وهذا غير قوله تعالى فى سورة الشمس( قد افلح من زكاها) ولهذا قال تعالى فى سورة النجم (هو أعلم بمن اتقى )   وأما قوله تعالى فى سورة النساء( ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء) أي يجعله زاكيا ويخبر بزكاته كما يزكى المزكي الشهود بعدلهم و العدل هو الاعتدال والاعتدال هو صلاح القلب كما أن الظلم فساده ولهذا جميع الذنوب يكون الرجل فيها ظالما لنفسه والظلم خلاف العدل فلم    يعدل على نفسه بل ظلمها فصلاح القلب في العدل وفساده في الظلم وإذا ظلم   العبد نفسه فهو الظالم وهو المظلوم كذلك إذا عدل فهو العادل والمعدول عليه فمنه العمل وعليه تعود ثمرة العمل من خير وشر قال تعالىفى سورة البقرة( لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) و العمل له أثر في القلب من نفع وضر وصلاح قبل أثره في الخارج فصلاحها عدل لها وفسادها ظلم لها قال تعالى فى سورة فصلت( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) وقال تعالى فى

الحسنات كوسيلة وقاية

 قال تعالى فى سورة   الإسراء (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) قال بعض السلف إن للحسنة لنورا في القلب وقوة في البدن وضياء في الوجه وسعة في الرزق ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة لظلمة في القلب وسوادا في الوجه ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضا في قلوب الخلق وقال تعالى فى سورة   الطور( كل امرئ بما كسب رهين) وقال تعالى فى سورة المدثر( كل نفس بما كسبت رهينة) وقال  تعالى فى سورةالأنعام( وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا) و تبسل أي ترتهن وتحبس وتؤسر كما أن الجسد إذا صح من مرضه قيل قد اعتدل مزاجه والمرض إنما هو انحراف المزاج مع أن الاعتدال المحض السالم من الأخلاط لا سبيل إليه ولكن الأمثل فالأمثل فهكذا صحة القلب وصلاحه في العدل ومرضه من الزيغ والظلم والانحراف والعدل المحض في كل شيء متعذر علما وعملا ولكن الأمثل فالأمثل ولهذا يقال هذا أمثل ويقال للطريقة السلفية الطريقة المثلى وقال تعالى فى سورة النساء( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) 

حياة القلوب

   وأصل صلاح القلب هو حياته واستنارته قال تعالى فى سورةالأنعام( أو من كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منه)ا لذلك ذكر الله حياة القلوب ونورها وموتها وظلمتها في غير موضع كقوله فى سورة  يس( لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين) وقوله تعالى  فى سورةالأنفال( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ثم قال( واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) وقال تعالى  فى سورةالروم( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي )ومن أنواعه أن يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن البيت الذى يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت وفي الصحيح أيضا اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذها قبورا وقد قال تعالى الأنعام والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات وذكر سبحانه آية النور وآية الظلمة فقال  تعالى فى سورة النور( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور) فهذا مثل نور الايمان في قلوب المؤمنين ثم قال تعالى ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده وفوفاه حسابه والله سريع الحساب أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور) فالأول مثل الاعتقادات الفاسدة والأعمال التابعة لها يحسبها صاحبها شيئا ينفعه فإذا جاءها لم يجدها شيئا ينفعه فوفاه الله حسابه على تلك الأعمال والثاني مثل للجهل البسيط وعدم الايمان والعلم فإن صاحبها في ظلمات بعضها فوق بعض لا يبصر شيئا فإن البصر إنما هو بنور الإيمان والعلم قال تعالى فى سورة الأعراف (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وقال تعالى فى سورة يوسف(   ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وهو برهان الإيمان الذي حصل في قلبه فصرف الله به ما كان هم به وكتب له حسنة كاملة ولم يكتب عليه خطيئة إذ فعل خيرا ولم يفعل سيئة   وقال تعالى  فى سورةالأنعام (ومنهم من يستمع إليكم وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يفقهون بقلوبهم ولا يسمعون بآذانهم ولا يؤمنون بما رأوه من النار)  كما قال تعالى فى سورة فصلت( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) فذكروا الموانع على القلوب والسمع والأبصار وأبدانهم حية تسمع الأصواب وترى الأشخاص لكن حياة البدن بدون حياة القلب من جنس حياة البهائم لها سمع وبصر وهي تأكل وتشرب وتنكح ولهذا قال  تعالى فى سورة البقرة( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) فشبههم بالغنم التي ينعق بها الراعي وهي لاتسمع إلا نداء 

 محبة الله

مما لا شك فيه ان ترك المعصية حبا لله تعالى وخوفا منه من صفات المؤمنين الحقة و الإيمان بالله تعالى  يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية فكلما فعل العبد الطاعة محبة لله وليس فى القلب من محبة غيره شيئا او ومخافة غيره وهكذا أمراض الأبدان فإن الصحة تحفظ بالمثل والمرض يدفع بالضد فصحة القلب بالإيمان تحفظ بالمثل وهو ما يورث القلب إيمانا من العلم النافع والعمل الصالح فتلك أغذ ية له كما في حديث ابن مسعود مرفوعا وموقوفا( إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن) والآدب المضيف فهو ضيافة الله لعباده آخر الليل وأوقات الأذان والإقامة وفي سجوده وفي أدبار الصلوات ويضم إلى ذلك الاستغفار فإنه من استغفر الله ثم تاب إليه متعه متاعا حسنا إلى اجل مسمى وليتخذ وردا من الأذكار في النهار ووقت النوم وليصبر على ما يعرض له من الموانع والصوارف  وكذلك اداءالفرائض من الصلوات الخمس باطنة وظاهرة فإنها عمود الدين وليكن أن يؤيده الله بروح منه ويكتب الإيمان في قلبه وليحرص على إكمال هجيراه

 لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها بها تحمل الأثقال وتكابد الأهوال وينال رفيع الأحوال ولا يسأم من الدعاء والطلب فإن العبد يستجاب له ما لم يعجل فيقول قد دعوت ودعوت فلم يستجب لي وليعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا ولم ينل أحد شيئا من ختم الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر والحمد لله رب العالمين وله الحمد والمنة على الاسلام والسنة حمدا يكافئ نعمه الظاهرة والباطنة وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه امهات المؤمنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا

 المرض نوعان فساد الحس وفساد الحركة الطبيعية وما يتصل بها من الإرادية وكل منهما يحصل بفقده ألم وعذاب فكما أنه مع صحة الحس والحركة الإرادية والطبيعية تحصل اللذة والنعمة فكذلك بفسادها يحصل الألم والعذاب وله من في السموات والأرض كل له قانتون وهو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض إلى قوله بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم إلى قوله فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون فأخبر الله أنه فطر عباده على إقامة الوجه حنيفا وهو عبادة الله وحده لا شريك له فهذه من الحركة الفطرية الطبيعية المستقيمة المعتدلة للقلب وتركها ظلم عظيم اتبع اهله اهواءهم بغي هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة اقرءوا إن شئتم الروم فطرة الله التي فطر الناس عليها أخرجاه في الصحيحين قال تعالى الرو

عن شكره فسبب اللذة إحساس الملائم وسبب الألم إحساس المنافي ليس اللذة والألم نفس الإحساس والإدراك وإنما هونتيجته وثمرته

ولهذا كانت النعمة من النعيم وهو ما ينعم الله به على عباده مم يكون فيه لذة ونعيم وقال التكاثر لتسألن يومئذ عن النعيم أي

علم ولا بد لهذه الفطرة والخلقة وهي صحة الخلقة من قوت وغذاء يمدها بنظير ما فيها مما فطرت عليه علما وعملا ولهذا كان تمام الدين بالفطرة وكل منهما يحصل بفقده ألم وعذاب فكما أنه مع صحة الحس والحركة الإرادية والطبيعية تحصل اللذة والنعمة فكذلك بفسادها يحصل الألم والعذاب ولهذا كانت النعمة من النعيم وهو ما ينعم الله به على عباده مما يكون فيه لذة ونعيم وقال التكاثر لتسألن يومئذ عن النعيم أي عن شكره فسبب اللذة إحساس الملائم وسبب الألم إحساس المنافي ليس اللذة والألم نفس الإحساس والإدراك وإنما هونتيجته وثمرته ومقصوده وغايته فالمرض فيه ألم لا بد منه وإن كان قد يسكن احيانا لمعارض راجح فالمقتضى له قائم يهيج بأدنى سبب فلا بد في المرض من وجود سبب الألم وإنما يزول الألم بوجود المعارض والراجح ولذة القلب وألمه أعظم من لذة الجسم وألمه أعني ألمه ولذته النفسانيين وإن كان قد يحصل فيه من الألم من جنس ما يحصل في سائر البدن بسبب مرض الجسم فذلك شيء آخر فلذلك كان مرض القلب وشفاؤه اعظم من مرض الجسم وشفائه فتارة يكون من جملة الشبهات كما قال الأحزاب فيطمع الذي في قلبه مرض وكما صنف الخرائطي كتاب اعتلال القلوب بالأهواء ففي قلوب المنافقين المرض من هذا الوجه من جهة فساد الاعتقادات وفساد الإرادات والمظلوم في قلبه مرض وهو الألم الحاصل بسبب ظلم الغير له فإذا استوفى حقه اشتفى قلبه كما قال تعالى التوبة ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم فإن ذهاب غيظ القلب إنما هو لدفع الأذى والألم عنه فإذا اندفع عنه الأذى واستوفى حقه زال غيظه فكما له بما يفوته من المصالح ويحصل له من المضار فكذلك إذا لم يسمع ولم يبصر ولم يعلم بقلبه الحق من الباطل ولم يميز بين الخير والشر والعي والرشاد كان ذلك من أعظم أمراض قلبه وألمه وكما أنه إذا اشتهى ما يضره مثل الطعام الكثير في الشهوة الكلية ومثل أكل الطين ونحوه

كان ذلك مرضا فإنه يتألم حتى يزول ألمه بهذا الأكل الذي يوجد ألما أكثر من الأول فهو يتألم إن أكل ويتألم إن لم يأكل  أمراض القلوب ج1/ص29

والحديث وعلم هو دواء الدين وهو علم الفتوى إذا نزل بالعبد نازلة احتاج إلى من يشفيه منها كما قال ابن مسعود وعلم هو داء الدين وهو الكلام المحدث وعلم هو هلال الدين وهو علم السحر ونحوه فحفظ الصحة بالمثل وإزالة المرض بالضد في مرض الجسم الطبيعي ومرض القلب النفساني الديني الشرعي قال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء المكملة بالشريعة المنزلة وهي مأدبة الله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن ومثله كماء أنزله الله من السماء كما جرى تمثيله

بذلك في الكتاب والسنة والمحرفون للفطرة المغيرون للقلب عن استقامته هم ممرضون للقلوب مسقمون لها وقد أنزل الله كتابه شفاء لما في الصدور وما يصيب المؤمن في الدنيا من المصائب بمنزلة ما يصيب الجسم من الألم يصح به الجسم وتزول أخلاطه الفاسدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا غم ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه وذلك تحقيق لقوله النساء من يعمل سوءا يجز به ومن لم يطهر في هذه الدنيا من هذه الأمراض فيئوب صحيحا وإلا احتاج إلى أن يطهر منها في الآخرة فيعذبه الله كالذي اجتمعت فيه أخلاطه ولم يستعمل الأدوية لتخفيفها ولهذا جاء في الأثر إذا قالوا للمريض عنه فتجتمع حتى يكون هلاكه بها اللهم ارحمه يقول الله كيف أرحمه من شيء به أرحمه وقال النبي صلى الله أن الإنسان إذا صار لا يسمع بأذنه ولا يبصر بعينه كان ذلك مرضا مؤلما  

 الأبدان فأما اشتمالها على شفاء القلوب فإنها اشتملت عليه أتم اشتمال فإن فصل في بيان اشتماله الفاتحة على الشفاءين شفاء القلوب وشفاء مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين فساد العلم وفساد القصد ويترتب عليهما داءان قاتلان وهما الضلال والغضب فالضلال نتيجة فساد العلم والغضب نتيجة فساد القصد وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه والتحقيق ب إياك نعبد وإياك نستعين علما ومعرفة وعملا وحالا يتضمن  مدارج السالكين 

من هذا وهذا فهو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة فصل والقلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم لامره ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله وأمره لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله فالله وحده غايته وامره وشرعه وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل وكل الاقوال التي قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها وحقيقته انه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه حياء وخوفا وطمعا ورجاء ففنى بحبه عن حب ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لامره  مفتاح دار السعادة ج1/ص4

الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال هذه قولان تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقها ومراعاتها حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فيعرف حقيقة الهيئة التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله عز وجل وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتى ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كثيرا طيبا كلما يقارنه فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها كل وقت عملا صالحا كل وقت 
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد المؤمن بها عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا واثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته فهذه الكلمة من هذا الشاهد أصلها ثبات راسخ في قلبه وفروعها متصلة 
مثل النخلة والمؤمن بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت ومن السلف من قال إن قولان الطيبة هي النخلة ويدل عليه
حديث ابن عمر الصحيح ومنهم من قال هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ قوله وعمله السماء وهو في الأرض وقال عطية العوفي في ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة قال ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب يصعد إلى الله 
وقال الربيع بن أنس أصلها ثابت وفرعها في السماء قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له قال أصلها ثابت قال أصل عمله ثابت في الأرض وفرعها في السماء قال ذكره في السماء ولا اختلاف بين القولين فالمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة
تجديد الإيمان 
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق ويقتضيه علم الذي تكلم به سبحانه وحكمته فمن ذلك أن قولان لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين وساقها الإخلاص وفروعها الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضى فيستدل على غرس هذه قولان في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله صلوات الله وسلامه عليهم والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر والهدى والدل والسمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو قولان الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار ومنها أن قولان لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا انقطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعمل النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإلا أوشك أن تيبس وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان يخلق في القلب كما يخلق الثوب فجددوا إيمانكم 
الغرس الطيب وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك ومن هنا يعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وضعها عليهم وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم 
ومنها إن الغرس والزرع النافع قد أجرى الله سبحانه العادة أنه لا بد أن يخالطه دغل ونبت غريب ليس من جنسه فإن تعاهده ربه ونقاه وقلمه كمل الغرس والزرع واستوى وتم نباته وكان أوفر لثمرته وأطيب وأزكى وإن تركه أوشك أن يغلب على الغرس والزرع ويكون الحكم له أو يضعف الأصل ويجعل الثمرة ذميمة ناقصة بحسب كثرته وقلته ومن لم يكن له فقه يقيس في هذا ومعرفته به فإنه يفوته ربح كثير وهو لا يشعر فالمؤمن دائم سعيه في شيئين سقي هذه قولان وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكمل وتتم والله المستعان وعليه التكلان 
فهذا بعض ما تضمنه هذا المثل العظيم الجليل من الأسرار والحكم ولعلها قطرة من بحر بحسب أذهاننا الواقعة وقلوبنا المخبطة وعلومنا القاصرة وأعمالنا التي توجب التوبة والاستغفار وإلا فلو طهرت منا القلوب وصفت الأذهان وزكت النفوس وخلصت الأعمال وتجردت الهمم للتقي عن الله تعالى 
مثل الكلمة الخبيثة ورسوله صلى الله عليه وسلم لشاهدنا من معاني كلام الله عز وجل وأسراره وحكمه ما تضمحل عنده العلوم وتتلاشى عنده معارف الحق وبهذا يعرف قدر علوم الصحابة ومعارفهم رضي الله عنهم وإن التفاوت الذي بين علومهم وعلوم من بعدهم كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والله أعلم حيث يجعل مواقع فضله ومن يختص برحمته 
فصل ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار فلا عرق ثابت ولا فرع عال ولا ثمرة زاكية ولا ظل ولا جنى ولا ساق قائم ولا عرق في الأرض ثابت مغدق ولا أعلاها مونق ولا جنى لها ولا تعلو بلى تعلى 
وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكتبهم وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه قال الضحاك ضرب الله مثلا للكافر بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول ليس لها أصل ولا فرع وليس لها ثمرة و لا فيها منفعة كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقوله ولا يجعل الله فيه بركة ولا منفعة وقال ابن عباس 
ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعني الكافر اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان الله عمل المشرك ولا يصعد إلى الله فليس له أصل ثابت في الأرض ولا فرع في السماء يقول ليس له في السماء ولا في الآخرة وقال الربيع بن أنس 
مثل قولان الخبيثة مثل 
التثبيت بالقول الصالح الكافر ليس لقوله ولا لعمله أصل ولا فرع ولا يستقر قوله ولا عمله على الأرض ولا يصعد إلى السماء وقال سعيد عن قتادة في هذه الآية إن رجلا لقي رجلا من أهل العلم فقال له ما تقول في الكلمة الخبيثة قال لا اعلم لها في الأرض مستقرا ولا في السماء مصعدا إلا أن صاحبها حتى يوافي بها يوم القيامة وقوله اجتثت أي استؤصلت من فوق الأرض ثم أخبر سبحانه عن فصله وعدله في الفريقين أصحاب الكلم الطيب والكلم الخبيث فأخبر أنه يثبت الذين آمنوا بالقول الثابت أحوج ما يكونون إليه في الدنيا والآخرة وأنه يضل الظالمين وهم المشركون عن القول الثابت فأضل هؤلاء بعدله لظلمهم وثبت المؤمنين بفضله لإيمانهم وتحت قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة كنز عظيم من وقف عليه لظنته وأحسن استخراجه واقتناءه وأنفق منه فقد غنم ومن حرمه فقد حرم وذلك أن العبد لا يستغني عن تثبيت الله طرفة عين فإن لم يثبته وإلا زالت سماء إيمانه وأرضه عن مكانهما وقد قال تعالى لأكرم خلقه عليه عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا وقال تعالى إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا وفي الصحيحين من حديث البجلي قال وهو يسألهم ويثبتهم وقال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك

                    سابق              الرئيسية                     تالى