ماذا لو سألتك يوما ما لون قلبك

 
الابيض والاسود

ماذا لو سألتك يوما ما لون قلبك ! ربما قد تضحك من سؤالى او حتى تتعجب منه على ابسط تقدير- ولكن هلا رجعت الى الوراء قليلا بذاكرتك- ان كنت مسنا- وتذكرت حصة العلوم التى طلب فيها معلمك قلمين الوان احدهما ازرق و الثانىاحمر وذلك لعمل رسما تخطيطيا  للقلب- اذا لعل لونه يشمل الاحمر والازرق او كذلك جال فى خاطرك حينها- ولكن فى نفس الوقت هل تذكر ذلك الحديث الذى دار يوما بين اثنين من جيرانك عن جارهما الثالت (  فقال احدهما عنه- رجل ذو قلب  ابيض  ما افترى  كذبا على احد يوما )- ثم لعلك تتقدم بالذاكرة  رويدا الى الامام وتتذكر مادار بينك وبين احدهم ذات يوم من حديث وهىيذ كرك بوعد اخلفته ومضى عليه مدة طويلة فتقول له  ( لعل قلبك اسود فما زلت  تتذكر    )- اذا ما حقيقةالامر اى الالوان هو قلبك- ااحمر ام ازرق ام ابيض ام تراه والعياذ بالله اسود... اذا كنت تريد معرفة حقيقة الامر- تعالى نستعرض الامر معا فى  هذا الحديث  من القلب اللى القلب
والآن فلنبدأ القصة من البداية

 ماهو القلب ! هل هو ذلك العضو من جسم الانسان الذى يقع فى التجويف الصدرى ! ام هو شىء يتجاوز ذلك المعنى بكثير ولماذا كل هذاالاهتمام غير العادى به على كافة المستويات بدءا بالدين وحتى ابسط الامثلة فى حياتنا ولغتنا اليومية مرورا بالطب وعلم  التصوف  وعلم النفس- وهل وظيفة القلب تكمن   فقط فى كونه مضخة بديعة الصنع لتنقية وضخ الد ماء لكل اجزاء الجسم ام يتعدى ذلك الى كونه مصدرا لكافة المشاعر ومهبطا  للوحى والالهام!..  قد تعتبرهذه محاولة بسيطة للتعرف على سر هذا الجزء العظيم من كافة الوجوه  و لو سألتنى ما هو القلب لأحترت قليلا قبل الاجابة... فربما كطبيب... أجبيك ان القلب   هو عضو من اعضاء الجسم يقع فى الناحية اليسرى من التجويف الصدرى داخل قفص كونته الضلوع واسموه القفص الصدرى وقد اوجده الخالق سبحانه خلف هذه الضلوع حتى يتمتع بالحماية من التعرض للخطر  من البيئة الخارجية المحيطة به -  شأنه فى ذلك شأن المخ الذى يقع فى علبة عظمية هى الجمجمة لحمايته-  وهذا العضو الهام قد اوكلت له مهام حيوية اهمها ضخ الدم النقى الى كافة اجزاء الجسم وكذلك استقبال الدم غير النقى من كافة اجزاء الجسم لاعادة ضخه الى الرئتين لتنقيته

 والان ماذا لو

  تدبرت أمرى قليلا وتأملت فى ملكوت الاية الكريمة ( وفى انفسكم افلا تبصرون ) لأجبتك ليس الامر بهذه السهولة وهذه المادية المفرطة التى لا ترى الاشياء الا بمنظار الملموس فقط و التى تكاد ان تفسد علينا حياتنا وعقائدنا ولدعوتك معى لنتعرف  معا على وجه آخر ومعنى اسمى واوسع لهذا القلب ؛ هذا المعنىالذى يتجاوز حجم  هذا العضو الضئيل بمراحل وهذا هو هدفنا الاسمى من هذا الموضوع فإذا كنت مستعدا فهيا بنا لنتعرف على الوجه الآخر  لهذا القلب ونتوغل فى اسراره ولنيدأ حديثنا بالحديث عن تركيب القلب
فالقلب كما اسلفنا أصبح له عندنا تركبين-  او بمعنى اصح نموذجين للتركيب -احدهما يعتمد على التشريح المادى للقلب فى المختبر والاخر نوع من التخيل ولكنه ليس وليد فراغ انما يعتمد على اعتقاد راسخ فى المعنى غير المادى للقلب
والقائم على التأمل فى ملكوت الكون, وكما ورد فى تفسير الامام الطبرى ان العرب قد نقلت  هذا المصدر لهذا العضو الشريف من كلمة التزمت فيها تفخيم قافه للتفريق   بينه وبين أصله- وقد روى أبن ماجة عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم     أنه قال : ( مثل القلب مثل ريشة تقلبها الرياح بفلاة ) اى صحراء وفى هذا المعنى كان عليه الصلاة والسلام يقول : ( اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك ) فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله مع عظيم قدره وجلال منصبه فنحن أولى بذلك أقتداء به- و قال الله تعالى : (وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) اى ما يتمنى ويشتهى- وان الجوارح الخمس وإن كانت تابعة للقلب فقد يتأثر القلب -وإن كان رئيسها وملكها- بأعمالها  للارتباط الذي بين الظاهر والباطن -كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الرجل ليصدق فتنكت في قلبه نكتة بيضاء وإن الرجل ليكذب الكذبة فيسود قلبه) وروي الترمذي وصححه عن أبي هريرة : ( أن الرجل ليصيب الذنب فيسود قلبه فإن هو تاب صقل قلبه ) قال : وهو الرين الذي ذكره الله  تعالىفي قرآنه الكريم فى صورة المطففين    ( كلا بل ران على قلوبهم ماكانوا يكسبون) وقال مجاهد : القلب كالكف يقبض منه بكل ذنب إصبع ثم يطبع عليه . وقوله عليه السلام : (  الا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب ) دليل على أن الختم يكون حقيقيا والله أعلم        -  وانتهى هنا كلام القرطبى- ونعود لنقول انه من الثابت والبديهى ان الانسان قد خلقه الله تعالى من مادة وروح وان المادة لاتنفصل عن الروح الا  عند الموت  واذا كنا بصدد انتهاج اسلوب علمى فى هذا الشأن فلابد ان نبدأ بالحديث عن علم قد اوضح لنا بعض خفايا هذا الامر وهو علم التشريح  وليكن ذلك  فى  وصف سريع وبسيط   

   التشريح :  هو فرع من العلوم  يبحث فى كيفية تركيب اعضاء الجسم وذلك من منطلق دراسة التركيب  سواء بالعين المجردة أو اخذ عينات لرؤيتها تحت المجهر بما يندرج تحت علم تكيميلى له يسمى علم الانسجة وهذا العلم اى علم التشريح لا يعتبر  بالعلم

   الحديث او الغريب علينا كعرب او مسلمين فلا  نستطيع ان ننسى هنا فضل العلماء العرب فى العصور الزاهرة للاسلام مثل ابن سينا والرازى  وابن النفيس فى هذا المجال الذين ابدعوا فى فنون هذا العلم- حين  كانت اوروبا غارقة فى عصور الظلام وهذا العلم قد تطور تطورا كبيرا فى عصورنا هذه وخاصة بعد اختراع المجهر الاليكترونى والمناظير الضوئية حتى امكن الوصول الى ادق التفاصيل فى تركيب الانسجة والخلايا بل وقد وصلنا الى مرحلةنقل القلب واستبدال الصمامات التى تعمل داخله بل وزراعة   القلب الاصطناعى- و هذا ما يمكن تسميته بالتشريح المادى-  واذا حاولنا ان نقرب للاذهان الفكرة التى تدور حولها   النظرة  الاخرىغير التقليدية التى نبحثها هنا دعنا نفترض وجود نموذجين الاول هو النموذج الاحمر والازرق- والثانى هو النموذج  الابيض والاسود و هنا نحاول البحث عما يسمى التشريح الروحى للقلب

اولا  النموذج التقليدى

تعال معى لنتعرف على القلب اقرب جيرانك اليك وكاتم كل اسرارك

القلب كما بدأنا الحديث هو عضو عضلى يوجد فى التجويف الصدرى ويحاط بغشاء رقيق يسمى غشاء التامور ويتكون القلب من اربعة غرف متصلة بعد د من الاوعية الدموية وبين الحجرات وبعضها وايضا بينها وبين  هذه الاوعية الدموية   يوجد عد د من الصمامات تعمل كبوابات تسمح بمرور الدم فى اتجاه واحد فقط  والنصف الايمن  من القلب يمتلىء بالدم القادم من كافة انحاء الجسم ولذلك فهو يعتبر دم غير نقى نظرا لاحتوائه على نواتج عمليات  الايض اى هدم  المواد الغذائية ويرمز له باللون الازرق بينما الجانب الايسر فيستقبل الدم القادم من الرئتن والمحمل بالاكسجين ليدفع بعد ذلك الى كافة انحاء الجسم ونظرا لنقائه يرمز له باللون الاحمر

هل علمت الان لماذا يكون الطفل الذى يعانى من ثقب فى القلب- ذلك العيب الخلقى فى القلب  الذىيجعل الدم يخلتط ببعضه- ولذلك    تراه  ازرق  اللون  وبخاصة الشفتين التى هى اكثر المناطق احمرارا  

ثانيا  النموذج الآخر

 تعالى معى لنعيش فى رحاب هذا الحديث الشريف الذى ورد فى مسند الامام احمد ويتضمن معناه الآتى
(تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير فأى قلب انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء واى قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء حتى يصير القلب على قلبين ابيض مثل الصفا لايضيره فتنة مادامت السموات والارض والاخر مربد- اى شديد السواد- كالكوز مخجيا -اى مقلوبا   لايعرف معروفا ولاينكر منكرا الا ما اشرب من هواه)- وخلا صة القول ان قلوب العباد  لا يخلقها الله تعالى سوداء من البداية بل بيضاء على الفطرة وانما الانسان بسوء افعاله هو الذى يجعلها    شديدة السواد
- والآن هل علمت الان لماذا يأتى الكافر اسود الوجه يوم القيامة- لعل ذلك من شدة سواد  قلبه ( ومن يؤمن بالله يهد قلبه)

 والان نحاول ان نسأل  اذا ماهو  القلب السليم

جاء الدعاء على لسان ابى الانبياء ابراهيم عليه السلام فى سورة الشعراء الايات 87-88-89 ( ولاتخزنى يوم يبعثون ، يوم لا ينفع مال ولا بنون، الا من اتى الله   بقلب سليم ) وجاء فى تفسير الطبرى ان القلب السليم هو القلب البرىء من  كل مرض - برىء من الكفر والنفاق والشرك وهو القلب الذى ليس به غل او حقد او حسد وهو القلب الذى يعلم ان الساعة قائمة وان الله يبعث من فى القبور وهو السليم من الشرك اما الذنوب فلا يسلم منها احد

و جاء فى كتاب مفتاح دار السعادة

 ان   القلب السليم الذي ينجو من عذاب الله هو القلب الذي قد سلم لربه وسلم لامره ولم تبق فيه منازعة  ولا معارضة لخبره فهو سليم مما سوى الله   لا يريد الا الله ولا يفعل إلا ما أمره الله- فالله وحده غايته وامره- وشرعه و وسيلته وطريقته لا تعترضه شبهة تحول بينه وبين تصديق خبره لكن لا تمر عليه إلا وهي مجتازة تعلم انه لا قرار لها فيه ولا شهوة تحول بينه وبين متابعة رضاه ومتى كان القلب كذلك فهو سليم من الشرك وسليم من البدع وسليم من الغي وسليم من الباطل وكل الاقوال التي قيلت في تفسيره فذلك يتضمنها وحقيقته انه القلب الذي قد سلم لعبودية ربه حياء وخوفا وطمعا ورجاء ففنى بحبه عن حب ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبرجائه عن رجاء ما سواه وسلم لامره   


                           وظائف القلب

المضخة والوعاء
والآن الى السؤال الثانى- ماهى وظائف هذا القلب! ولو اتبعنا نفس المنهج وعدنا الى درس العلوم الاول لوجدنا ان ماذكر لنا فيه ان القلب اشبه ما يكون بمضخة للد ماء لكافة انحاء الجسم ولو عدنا الى درس من دروس التربية الدينية او خطب الجمع التى سمعناها  لربما ادركنا ان القلب هو مركز للايمان ومحور الاخلاق والقيم  ولو بحثنا فى كنوز الأدب لوجدنا فيها الكثير من الاهتمام بشأن القلب- اذا ماهى حقيقة الامر! ان كنت جادا فى البحث عنها فتعال معى نتأمل سويا

 اذا كان علم التشريح هو العلم المختص بدراسة تركيب القلب فان هناك فرعا آخر من العلوم لايقل اهمية عنه هو علم وظائف الاعضاء الذى يختص بتفسير كيفية ومكانيكية تأدية الوظائف الموكلة لهذا العضو واذا تكلمنا عن وظائف القلب فيمكن وضعها فى مجموعتين كبيرتين الاولى كونه   مضخة  صغيرة الحجم عملاقة الاداء؛ والثانية ان القلب وعاءلاحدود لقراره يمكن ان يتسع للمزيد والمزيد من المشاعر
أولا : القلب مضخة عملاقة

القلب  تبارك من ابدعه- على حجمه الذى لايتجاوز قبضة الكف الواحد هو مضخة عملاقة خلقت لتعمل طول العمر لو اتبعت اجراءات الصيانة المقررة لها- هل علمتم آلة تعمل بمثل هذه الدقة وهذا الضمان فتبارك الله احسن الخالقين ولقد قال سبحانه وتعالى ( وفى أنفسكم أفلا تبصرون) فالقلب يقوم بسحب الدم الفاسد من اطراف الجسم والمحمل بثانى اكسيد الكربون حيث يقوم بإرساله الى الرئتين ليعاد تنقيته وتحميله بالاكسجين ثم يعاد ضخه الى كافة انحاء الجسم عن طريق شبكة ممتدة من الشرايين تبدأ من شريان عملاق هو الابهر او الاورطى لعله المشار اليه فى قوله تعالى فى سورة المدثر( ولقطعنا منه الوتين ) والله تعالى اعلم

القلب كمركز لكافة المشاعر

والقلوب تتفاوت في الهم والغمّ كثرة واستمراراً بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان فهي على قلبين : قلب هو عرش الرحمن ، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم .(من فوائد ابن القيم)

فليس القلب فقط هذه المضخة العملاقة فحسب بل زاد الله تعالى فى عجائبه فجعله مركزا ووعاءا لاقرار له لكافة المشاعر الطيب منها والخبيث والقبيح منها والجميل - فاذا ذكرنا اهم هذه المشاعر على الاطلاق وهو الايمان الذى موطنه ومستودعه قلب العبد الذى هداه الله تعالى لنوره ويتلوه فى ذلك منزلة الحب الذى يتضح   من خلاله  معالم الطريق المستقيم  للسير فى دروب طاعة المولى مع من احبوا الله ورسوله وتمتلئ قلوبهم بمشاعر الخشية من جلال الله تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا ويرجون جنته ويخشون عقابه هؤلاء هم اصحاب القلوب السليمة

 وعلى النقيض من ذلك ترى القلب الذى اصابه المرض قد امتلاْ بالمشاعر السيئة مثل البغضاء والكراهية والحسد وغيرها فلنتعوذ منها ومن ما شابهها من المشاعر التى تدمر حياة الانسان ولذلك جاء فى سورة الحشر الاية 10 ( والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل فى قلوبنا غلا للذين امنوا ربتا انك رءوف رحيم)

 القلب وعاء للحق  وكما جاء فى الحديث القدسى ما معناه- ما وسعتنى ارضى وسمائى ولكن وسعنى قلب عبدى المؤمن- فإذا ما وضعت قلبك في غير موضع فقد شغل بالباطل وبالتالى لا يكون معك اناء يوضع فيه الحق وينزل إليه الذكر والعلم الذي هو حق القلب وهكذا  فقلبك إذا مضيع   وتلك طامة كبرى

  عبادة القلب

يقول شيخ الاسلام ابن تيمية ان العبادة اصلها عبادة القلب والذى تتبعه كل الجوارح فإن القلب هو الملك والاعضاء جنوده وهو المضغة التى اذا صلحت صلح لها سائر الجسد واذا فسدت فسد لها سائر الجسدأما بالنسبة للمشاعر  فهى قد تكون انفعالات مؤقتة بسبب حادث معين يتعرض له الانسان كالحزن عند وفاة حبيب والفرح عند النجاح وهى مشاعر تزول بزوال المؤثر ولاتعود الا عند التذكر وكم ترى الابتسام يعترى المرء احيانا لمرور ذكرى حلوة على مخيلته وأما الشعور الحقيقى -اذا ماكان صادقا- فانه ما أستقر استقرارا راسخا فى اعماق القلب وظهرت آثاره جلية على باقى الجوارح ومن االناس من يدعى الايمان ولكنه يعبد الله تعالى على حرف فإذا  مرت به نائبة انقلب على عقبيه- واذا  لم يستعمل العضو فى حقه بل ترك   فذلك خسران وصاحبه مغبون وإن استعمل فى خلاف ما خلق له فهو الضلال وصاحبه من الذين بدلوا  نعمة الله كفرا ثم ان سيد الاعضاء ورأسها هو القلب وكما قال النبى  صلى الله  عليه وسلم(  الا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله واذا فسدت فسد الجسد كله الا وهى القلب )وقال صلى الله عليه وسلم( الاسلام علانيه والايمان فى القلب ثم اشار بيده الى صدره وقال الا إن التقوى ها هنا الا إن التقوى ها هنا )-وهكذا  خلق القلب للعلم( لان  يعلم به) فتوجهه نحو الاشياء ابتغاء العلم بها كما خلق للفكر والنظر كما ان اقبال الاذ ن على الكلام ابتغاء سمعه هو الاصغاء والاستماع وانصراف الطرف  الى الاشياء طلبا لرؤيتها هو النظر فالفكر للقلب كالاصغاء للأذن ومثله  نظر العينين فيما سبق وإذا علم ما نظر فيه فذلك مطلوبه كما أن الأذ ن كذلك إذا سمعت ما اصغت اليه او العين إذا ابصرت ما نظرت إليه وكم من ناظر مفكر لم ليحصل العلم ولم ينله كما انه كم من ناظر إلى الهلال لايبصره ومستمع إلى صوت لا يسمعه    ( وهو الذى خلق لكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما تشكرون) 

 الايمان ما وقر فى القلب وصدق بالعمل

ولعل الخطاب واضح فى معنى قوله تعالى( قالت الاعراب آمنا) فكان الرد عليهم من الله تعالى انهم مازالوا فى مرحلة الاسلام ولم يدخل الايمان بعد ويستقر فى قلوبهم  أذ أن من الواضح والجلى أن مرحلة تنفيذ المنهج المظهرى للإسلام مثل تأدية العبادات كالصلاة ليست هى نهاية المطاف بل لابد من الايمان القلبى وراء كل شعيرة من شعائره ولعل هذا ما قصد بالنية والنية كما نعلم محلها القلب والله اعلم

 وليس الامر يقف عند هذا الحد بل يتعداه الى كافة المشاعر الانسانية مثل الرحمة والحب والايثار -وفى المقابل نرى فى القلوب المريضة المشاعر غير النبيلة مثل الحقد والحسد والكبر و حب الشهوات لذلك كان القلب هو الوعاء الشامل  لكل هذه المشاعر فان صلح صلح الجسد كله وان فسد كان الخراب والدمار فالقلب الصادق تتجلى  فى وجه حامله ملامحه المضيئة واذا  كان المنافق يستطيع ان يسحرك بكلماته العذاب فان المطلع على القلب - سبحانه وتعالى- قد فضحه فى الدنيا فى قوله تعالى( ومن الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا ويشهد الله على ما فى قلبه وهو ألد الخصام ) ولاحظ المغزى وراء قوله تعالى( الحياة الدنيا) وليس الاخرة  وعلامات الايمان  كما قلنا تتضح فى الوجه عذد وجود الشفافية  اللازمة   كما يتضح الانفعال بالغضب ولذلك قال تعالى ( تعرفهم بسيماهم) وقال ايضا ( وجوه ناضرة الى ربها ناظرة)

الهوى

والقلب كذلك له حظه من الشهوات فالهوى هو انحراف بالقلب نحو التهلكة  وهذه المرحلة لاتأتى الا بعد ان يتمكن المرض من القلب ولذلك قال تعالى( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذى فى قلبه مرض ) فىالآ يات   الموجهة الى نساء النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهن الى نساء المؤمنين- ان يتجنبن  الحديث اللين مع الذي في قلبه مرض و المقصود به مرض الشهوة- فإن القلب الصحيح لو تعرضت له المرأة لم يلتفت إليها بخلاف القلب المريض بالشهوة فإنه لضعفه يميل إلىما يعرض له من ذلك بحسب قوة المرض وضعفه فإذا خضعن بالقول طمع الذي في قلبه مرض و القرآن شفاء لما في الصدورمن هذا المرض ومن سواه
وكذلك كان للقلب حظه من الزنا فالعين تزنى وزناها النظر والقلب يزنى وزناه الهوى والاشتهاء وهذا هو المرض الذى يستبد بالنفس الضعيفة التى لايحلو لها الا ما حرم عليها (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هى المأوى)

 قسوة القلب ورقته

وقوة القلب كعضلة ذات صفات خاصة تنقبض وتنبسط ملايين المرات شىء عجيب فلقد اختصه المولى عز وجل  بنوع خاص من الخلايا التى تشكل النسيج القلبى  ولكن الاعجب والاغرب حين تحاول أن تتأمل فى مدى تحمل القلب فترى ان القرآن الكريم لو انزل على جبل لإنهار ذلك القلب من فوره فقال تعالى ( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله) ولكن هذا القرآن انزل على قلب اصلب من الجبل فى الحق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (فإنه نزله على قلبك  تصديقا     لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين) بل والاشد عجبا أن هذا القلب فى أشد الرقة لأهله وعشيرته فقال تعالى( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ومن ناحية أخرى فقد وصفت قسوة قلوب اليهود بأنها أشد قسوة من الصخر فقال تعالى ( ثم قست قلوبكم فهى كالحجارة أو اشد قسوة )
.
النفاق والخشوع

النفاق هو أن يظهر الانسان عكس ما يبطن - و القلب قد يكون مصدرا للنفاق والرياء والنفاق مشاعر خبيثة تسكن فى  قلب      المنافق  وتسيطر على جوارحه وافعاله ؛ وكما نعلم ينقسم الناس الى فئات ثلاث -     كما ورد ذكرهم فى القرآن الكريم- فهناك المؤمنون وهناك الكافرون والفئة الثالثة هى المنافقون ويعتبر المنافقون أشد ضررا من الكفار  وكذلك هم أشد عذابا يوم القيامة  وأصبح الناس فى عصرنا هذا يستهينون بأمر النفاق وهذا امر خطير فقد يخالط اعمال الانسان شىء من النفاق فيحبط عمله ويضيع سعيه والفئة الاخطر هى التى تتستر بالدين لتحقق أغراضا خبيثة تضر بالناس والمجتمع وهذا النفاق لم يأتى الى قلوبهم مصادفة او ابتلاء بل بما سبقوا به من سيىء الاعمال   وقد قال الله تعالى  ( فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم الى يوم يلقونه)

 و ومع ذلك كله فالقلب هو مصدر الخشوع واذا خشع خشعت الجوارح كلها وليس هذا من قبيل التناقض ولكن سبحانه يقول عن النفس انه سبحانه قد الهمها فجورها وتقواها (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) ويقول عن الانسان (وهديناه النجدين) وما حادثة شق صدر الرسول صلى الله عليه وسلم  - بدون التعرض لتفاصيلها -   الا لازالة حظ الشيطان اللعين منه والخشوع فى الصلاة شىء كبير واصبح لشدة الاسف شىء نادر مع الحياة المادية الخالصة التى نحياها فى هذا الزمان عصر العولمة والهواتف المحمولة والفضائيات المفتوحة والانترنت

نصيحة لوجه الله ياأخى المسلم لاتشغل نفسك ومن حولك بتركك الهاتف مفتوحا اثناء الصلاة فهذا بلا شك يمنع الخشوع فى الصلاة(ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق)

القلب مركز التعقل

سؤال يحير المرء كثيرا على طول الزمان ... هل القلب فى القرآن والسنة هو هذا القلب الذى نعرفه! والله سبحانه وتعالى اعلم بمراد آياته
ولكن من باب تدبر الامر فقط حاولت البحث عن الاجابة واستوقفتنى هذه الكلمات المنسوبة الى الشيخ الزندانى فى احد مواقع الانترنت حيث تحدث هل مركز الايمان والتصبر فى الانسان هو القلب ؟ واذا كان كذلك فكيف كان الحال فى عمليات نقل القلوب والقلوب الصناعية ؟ وكيف انه منذ مدة  وهو يتتبع  هذا الامر وسبق ارسال احد الاخوة الى احد هذه المراكز المتخصصة فى امريكا ولم يتم الحصول على اجابة شافية  ثم حديثه مع احد الاساتذة فى جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية وانهم نشروا فى احد الصحف  ان تم اكتشاف ان القلب ليس مضخة للدماء بل هو مركز عقل وتعقل وعلى حد قوله ان احد الاطباء السعوديين العاملين فى هذا المجال  تحدث بان القلب الجديد لاتكون فيه اى عواطف او انفعالات واذا قربت اليه خطرا بدا وكأن شىء لايهدده بينما الثانى يرعش  اذا قربت منه شىء يحبه -عكس ذلك الجديد وكأنك لا تقدم له شىء- قلب بارد غير متفاعل مع سائر الجسد  والان يقولون  انهم اكتشفوا فى القلب هرمونات عاقلة ترسل رسائل عاقلة الى الجسم كله  ولذا فان القلب يعتبر مركز عقل وتعقل

القلب المريض

 أستمعت الى مقدمة خطبة  للشيخ  كشك يرحمه الله تعالى عن أقسام القلوب ذكر فيها أن القلوب على ثلاثة أقسام هى قلب سليم وقلب مريض وقلب ميت فالقلب السليم هو من جاء فى الحديث القدسى ذكره -ومن هنا جاء التساؤل الثالث ماهو القلب المريض!هل ذهبت مرة الى عيادة طبيب او مستشفى فسمعت ان فلانا مريضا بالقلب فما هو القلب المريض وماهو القلب السليم ان اردت ان تعرف معى فتعال الى قوله تعالى ( يوم لا ينفع مال ولابنون الا من أتى الله بقلب سليم) ولعلنا نتعرض بشئ من التفصيل لهذا الامر فى الجزء الثانى من بحثنا ( امراض القلوب )

 السيطرة على الوظائف

ولم يترك الخالق فرصة لعدم السيطرة على هذا المخلوق بل ابدع له من عجيب صنعه جهاز للتحكم  تلقائيا فيه اسماه الناس بعداكتشافه الجهاز العصبى التلقائى هذا الجهاز يقوم    بالتحكم بزيادة او نقص عدد نبضات القلب حسب حاجة الجسم عند بذل مجهود عضلى او ذهنىا و   حتى فى حالات الانفعالات المختلفة    هذا الجهاز جزء من الجهاز العصبى الذى يقوم بالتحكم فى كافة الوظائف الحيوية التى يقوم بها الجسم
ويتم ذلك العمل عن طريق بعض الهرمونات والمواد الكيمائية التى تفرز من الجسم ومثال لذلك الادرينالين الذى تفرزه الغدة فوق الكلوية وقد استفاد الانسان من معرفة هذه المعلومات الثمينة فى اعطاء مواد مثل االادرينالين والاتروبين فى حالات توقف عضلة القلب  ولكن هل يمكن للانسان ترويض هذا الجهاز او بمعنى آخر هل يمكن التحكم فى زيادة او نقص نبضات القلب عند الضرورة وما علاقة هذا بالمشاعر القلبية هذا ما سنعرفه فى الجزء التالى  المشاعر

 

 

سابق                                        تالى                     الصفحة الرئيسية